Author

الوجه المضيء للهبوط الاقتصادي كيف نتعامل معه؟

|
لا شك أن سلبيات الهبوط والركود الاقتصادي وتداعياته دولياً تعد كارثة تتعدد سلبياتها وتتفاقم. وقد نكون لم نصل إلى نهاية المطاف أو القاع بعد أو أننا في بدايته. ولكن هذا الهبوط الاقتصادي بالرغم من سلبياته إلا أن له إيجابيات تهم شرائح أخرى من المجتمع. فالمشتكي والمتأثر الأكبر من هذا الركود هو الدول الغنية والأفراد الأغنياء أو متوسطو الثراء، وبذلك فإن بعض شرائح متوسطي ومتدنيي الدخل لم يتأثرو كثيراَ. وبعضهم لم يكن أصلا لديه ما يخسره. وهؤلاء هم الرابحون وهم أغنياء المستقبل، حيث إن مثل هذه التقلبات في الاقتصاد هي فرص لإعادة توزيع مستويات الدخل، وهي الأوقات التي تخلق الأغنياء الجدد. فالأثرياء الحاليون هم أنفسهم حصلوا عليها بسبب الركود السابق قبل سنوات مضت، سواء بالتخطيط أو بمحض الصدفة. أو ما يسمى بالتوزيع الجديد لمراكز القوى، سواء على مستوى الأفراد المواطنين أو على مستوى الشركات والدول. فهي فرصة لبعض الدول، سواء الفقيرة أو المتوسطة لإعادة حساباتها ومحاولة تقييم مقوماتها وتفعيلها مرة أخرى في ضوء سقوط المنافسين، وذلك للتقدم إلى مراتب دولية وقيادية أعلى أو لتصبح في مصاف الدول العظمى. وكما يقول المثل "لو دامت لغيرك لما امتدت إليك" ورب ضارة نافعة. وعلى أي حال فالدنيا فرص ومن استطاع أن ينتهزها فإنه سيفوز بها، بل إن هناك فرصا قد تكون بمحض الصدفة، وهي التي تخلق الكثير من الأثرياء. فالمعروف أن الإنسان العاقل والمحافظ يقوم عادة بالتفكير وعمل الحسابات وبطريقة عقلانية ثم يتوقف عن السير لاغتنام الفرصة. بينما بعض الأفراد يطرقها بالحظ والصدفة أو كونه كان هناك وقت نزول الفرصة وأحياناً دون تفكير. وفي نهاية المطاف ستخدمه المتغيرات وقد ينجح بمحض الصدفة فقط. ومن جهة أخرى، فإن الهبوط سيساعد على خفض أسعار الكثير من السلع ويجعلها في متناول المحتاجين إليها، وخاصة أنها قد تحاول المساهمة في حل جزء من مشكلات الإسكان بسبب نزول أسعار مواد البناء والعقارات. وبذلك قد يستطيع المحتاجين الحصول على المسكن المناسب لهم. وقد يكون التضخم في الأسعار والمغالاة في الأجور للسنوات الماضية أمرا كان يجب أن يصحح. وبذلك، فإن هذا الهبوط يصبح أمرا أو حركة تصحيحية إلى السوق لتصل إلى مستواها الطبيعي، ولا ظالم ولا مظلوم. ولكن ردود فعل المستهلكين ورعبهم جعلت المشكلة تتفاقم وضاعفت من حجم المشكلة، وبعد اختفاء تلك الردود سترجع الأسعار إلى مستواها الطبيعي، ولكنها حتماً لن ترجع إلى الإجحاف والتضخم السابق. ويجب أن نلاحظ أن الهبوط عندما يحدث، فإنه نسبياً لمعظم القطاعات. أي أن هناك تناسبا بين انخفاض السلع الأولية وانخفاض أسعار السلع المنتجة. وبمعنى آخر، فإن تكلفة الإنتاج على أي حال ستكون أقل وهذا يؤدي إلى تخفيض أسعار السلع المباعة. وبذلك، فإن المصنع أو التاجر لن يتأثر كثيراً إلا من انخفاض الطلب على تلك السلعة. وهذا التحليل ينطبق على تأثير الهبوط في تجار التجزئة أيضا. فتجار التجزئة ليس لهم تأثر بذلك فهم يشترون السلعة بأي سعر، سواء كان منخفضا أو مرتفعا ويقومون بتحويل ذلك إلى المواطن بعد أن يأخذ التاجر ربحه المتعارف عليه أو الذي كان سيأخذه على أية حال. ويبقى تأثره فقط بقلة الطلب، إلا من سبق أن قام بشراء بضاعة في مخازنه قبل الأزمة وبأسعار مرتفعة وهي مخزنة لديه ولم يصرفها بعد لأنه سيخسر، ولكن معظم تجار التجزئة يضعون مساحات داخل مراكزهم التجارية تؤجر على موزعين، وبذلك يكون دخله من الإيجار فقط وهو لا يتأثر إلا بعد نزول الإيجارات. ومن المنطلق نفسه، فإن تاجر العقار الذي يدخل السوق اليوم لديه ميزة نسبية تفرقه عن غيره أو من سبقه. فمن وقع عقود مقاولات لتنفيذ مشاريعه قبل الأزمة، فإنه دفع مبالغ عالية، سواء لقيمة الأرض أو للتنفيذ، بينما الداخل في السوق اليوم لديه ميزة نسبية أفضل فهو يشتري الأرض بسعر أقل وينفذ بسعر أقل، وبذلك فإنه يستطيع أن ينافس من بدأ قبله. وهذا له أثره العكسي في تجار العقار السابقين، حيث إنهم سيضطرون إلى البيع بسعر أقل من التكلفة، ما يؤدي إلى خسائر فادحة لهم. هذا الهبوط الاقتصادي هو فرصة لمن فاتته الفرصة السابقة ليصبح ثرياً. وهي ليست بالمهمة السهلة. فالمعطيات المطلوبة لذلك قد لا تكون جاهزة له. فالكثير ليس لديهم السيولة الآن ومعظم المواطنين خسروا أموالهم في أسواق الأسهم، سواء الفقراء أو الأغنياء. وأصبحوا سواسية ومخزونهم صفراً مكعباً. فمن كان يملك المليارات ومن كان لا يملك شيئاً أصبحوا متساويين مادياً. كما أنها فرصة للإبداع وبذل أقصى المجهودات للوصول إلى الغايات. وليس الأمر محصوراً على الأفراد، بل على الشركات والدول. ولنعيد التفكير في مشاريع المدن الاقتصادية الحالية والمقبلة التي بدأناها في فترة الطفرة وأن نحاول الترشيد فيها وجدولتها بطريقة ولمدة زمنية طويلة تتماشى مع المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية. الركود الاقتصادي له ميزته في الحد من عدد العمالة في البلاد، وهذا سيساعد على التخفيف من الازدحامات المرورية والتلوث والجريمة التي تسببها تلك العمالة. ولكنه قد يؤدي إلى الفقر في المجتمع، ما قد يدفع البعض إلى السرقة. فقد نسمع قريباً عن أفول الأسماء والعلامات التجارية المعروفة وأكثرها علامات تجارية مشهورة التي نجد لوحاتها الإعلانية في جميع أنحاء المدن وفي الصحف والمجلات ووسائل الإعلام. لذلك، فإن من يفكر في البدء في تصنيع منتج جديد وبتكلفة أقل وإبداع مبتكر قد نرى اسمه يحل محل تلك اللوحات. وقد يصل الأمر بعد فترة لظهور أو بروز لغات عالمية أخرى بدلاً من الإنجليزية والإسبانية والفرنسية. فقد تسيطر اللغة الصينية أو اليابانية ومنتجاتها. وهذه الصورة قد تتكرر لظهور سيطرة عملات عالمية جديدة بدلاً من الدولار واليورو. ومن المنطلق نفسه ستسقط دول ليحل محلها دول أخرى. لذلك فإنها فرصة لبعض الدول للنظر إلى مخزونها، وما تمتلكه من مقومات لتحاول إعادة الحسابات والهيكلة الداخلية للتخطيط لاحتلال مواقع تلك الدول أو المقاعد الخالية في لعبة الكراسي الدولية أو الموسيقية، وأخذ أدوار قيادية أخرى في اللعبة العالمية، وانتهاز الفرصة عن غيرها من الدول التي تترنح حالياً فالبقاء دائماَ للأفضل بمشيئة الله. إنها بداية الحرب الدولية وستكون نوعاً ما مشابهة للحربين العالميتين الماضيتين التي مات فيها الملايين من البشر. وسقطت فيها دول ومسحت عن الأرض، وأصبحت في وضع أسوأ بكثير مما أصابنا اليوم. ولكن تلك الدول التي مسحت خرجت منها أقوى وأفضل وأصبحت من أكبر الدول الاقتصادية والصناعية. ويكفينا مثالاَ اليابان التي دمرتها قنبلة هيروشيما، وألمانيا التي مسحت عن الأرض. وكلتا الدولتين وخلال 50 عاماً قلبت الموازين، وسحبت البساط من غيرها، وأصبحت قوى اقتصادية عظمى ولها منتجات غزت جميع الأسواق ونافست غيرها. ولكن هذه المرة ستتغير طريقة الحرب وطرقها لتصبح حربا معلوماتية وتقنية، وستدخل فيه دول جديدة لم تدخل في الحرب الماضية، وستخرج منها دول لم نسمع بها، لدرجة أننا لن نستطيع أن نعرف من سيسيطر أخيرا، ومن سيمسح به الأرض. وفي كلتا الحالتين ستظهر دول مسحت لتأخذ دور القيادة. لذلك، فإنه بدلاً من التحسر على ما فات يجب أن نضع الماضي وراءنا، وألا نتحسر عليه، بل نستفيد منه بأخذ العبر، وأن نتحسب للمستقبل، وأن نستفيد من قراءة التاريخ وأسباب أفول تلك الحضارات السابقة حتى لا نكرر الغلطة، ومن ثم التسلح بديننا والرجوع إليه، وأن نشحذ الهمم في الصراع الحضاري الدولي وأن نؤمن بالله، وأنها فرصتنا السانحة للبروز ولأخذ زمام المبادرة والإبداع، والفرصة قد لا تمر إلا مرة واحدة في العمر. فنحن قد نكون من الدول التي لم تتأثر كثيراً بالأحداث بسبب عدم وجود اقتصاد متكامل ومنظم، وهي سلبية خدمتنا هذه المرة، ولكن ذلك لن يخدمنا مستقبلاَ. وكما أن لدينا خيرا كثيرا ومدخرات نفطية لن تنضب لفترة طويلة، ولدينا مخزون بشري ينبغي أن نجيد الاستفادة منه وبنائه وتسخيره لحب العمل وتوعيته إلى أهميته، وديننا يدعو للعمل، ويجب أن نسعى لربط الاقتصاد ليكون اقتصادا متكاملا يربط المتغيرات السياسية بالاقتصادية والاجتماعية، وأن نكمل اعتماد بقية الأنظمة الاقتصادية التي ما زالت تحت الدراسة، والتي تأخرت أكثر مما يجب، وأن نعيد حساباتنا لمدخراتنا البشرية ومواردنا الاقتصادية كي نأخذ فرصتنا أو تذكرتنا المحجوزة في قطار القيادة الاقتصادية واحتلال مركزنا الاستراتيجي العالمي.
إنشرها