Author

إدارة الاحتياطات النفطية في ظل الأزمة المالية العالمية .. كيف؟

|
في ظل الأزمة المالية العالمية التي تسببت في تراجع حاد في الطلب على النفط ومشتقاته، يبرز إلى الواجهة سؤال طالما تم طرحه في فترات سابقة، وهو: ما نقطة التوازن بين مستويات الإنتاج التي تحقق أعلى عائد اقتصادي للمملكة لثروة ناضبة على المدى البعيد؟ وما يحقق الحفاظ على عمر أطول للاحتياطي النفطي للاستفادة منه من قبل الأجيال المقبلة؟ وفي هذه المقالة محاولة لتقديم إجابة مبدئية عن هذا السؤال المهم، من خلال تسليط الضوء على المحاور الأساسية في استراتيجية المملكة في هذا الشأن الحيوي وصولا إلى التوظيف الأمثل للموارد الطبيعية من أجل تحقيق التنمية السريعة والمستدامة في المملكة. الاحتياطي النفطي في المملكة بلغت الاحتياطات المثبتة من النفط في المملكة بنهاية عام 2007م 264.2 مليار برميل تشكل ما نسبته 22 في المائة من إجمالي الاحتياطات العالمية وما نسبته 28 في المائة من إجمالي احتياطيات دول منظمة الأوبك. وتتركز قاعدة الاحتياطي النفطي في المملكة في عشرة حقول، يأتي في مقدمتها حقلي الغوار والسفانية العملاقين، اللذان يمثلان على التوالي أكبر حقلين بري وبحري على مستوى العالم. فعلى سبيل المثال يشكل الاحتياطي المتبقي لحقل الغوار نحو 64 مليار برميل تمثل ما نسبته 51 في المائة من إجمالي تقديرات الاحتياطي المتبقي في هذا البئر العملاق، إضافة إلى 28 مليار برميل من سوائل الغاز الطبيعي والمكثفات التي يقدر ما تبقى منها بنحو 21 مليار برميل. ويوضح الجدول رقم (1) أكبر حقول النفط في المملكة لجهة الاحتياطيات المثبتة وترتيبها ضمن قائمة أكبر 20 حقلا على مستوى العالم، ونسبة الاحتياطي المتبقي، التي بدورها تشير إلى أن المملكة وبما تملكه من حقول عملاقة ذات احتياطيات ضخمة لم يستنفذ منها إلا الجزء اليسير لحد الآن، ستظل على مدى عقود قادمة اللاعب الرئيسي في أسواق النفط العالمية. #2# جدير بالإشارة في هذا السياق أمرين، أولهما أن حجم احتياطيات المملكة من النفط تجعل للمملكة وزنا وتأثيرا نافذا على أسواق النفط العالمية مستقبلا، خصوصا إذا ما أخذنا في الحسبان أن تقديرات الاحتياطي في دول منظمة الأوبك تصدر عن الدول ذاتها، التي في الغالب لا تكون مصحوبة بتفاصيل وبيانات محددة عن الحقول النفطية، وبالتالي فإن هذه التقديرات عرضة للتلاعب من قبل بعض الدول الأعضاء في المنظمة مدفوعة بكون نظام الحصص في "أوبك" مرتبط بمستوى الاحتياطي النفطي لكل دولة. الأمر الآخر الجدير بالإشارة في هذا السياق، أن تعريف الاحتياطي يختلف من دولة إلى أخرى، حيث تعد الولايات المتحدة الاحتياطات المثبتة هي تلك التي تحويها حقول تم البدء في إنتاجها، فيما تدخل كل الحقول المكتشفة في المملكة ضمن تحديد الاحتياطات المثبتة بما فيها تلك التي لم تدخل مرحلة الإنتاج بعد. في المقابل فإن فنزويلا تدخل في حساب حجم احتياطياتها النفطية النفوط غير التقليدية (البيتومين). الأمر الثالث الجدير بالإشارة هو حجم احتياطيات المملكة النفطية غير المكتشفة (التي لا تدخل ضمن الاحتياطيات المثبتة) والتي تقدرها أرامكو السعودية بنحو 716 مليار برميل من النفط الخام، أي نحو ثلاثة أضعاف الاحتياطيات النفطية المثبتة في الوقت الحاضر. هذه المعطيات تجعل للمملكة ولصناعة النفط السعودية دورا مهيمنا ومسؤولا في الوقت ذاته على المستوى العالمي، الذي بدوره أفرز دورا مهيمنا لقطاع النفط على صعيد الاقتصاد الوطني. المسار التاريخي لنمو الاحتياطيات النفطية في المملكة بدأت مسيرة إنتاج النفط في المملكة عام 1938م وبمعدل إنتاج يومي بلغ حينها 1400 برميل في اليوم، ارتفع تدريجيا حتى وصل بنهاية عام 2007م إلى 8.9 مليون برميل يوميا. وخلال هذه العقود السبعة بلغ حجم الإنتاج النفطي التراكمي بنهاية عام 2007م نحو 113.053 بليون برميل. وتشير بعض التقارير إلى أن نحو 40 في المائة من الاحتياطي القابل للاستخراج تم إنتاجه حتى كانون الثاني (يناير) 2007م، وأن المعدل السنوي لاستهلاك الاحتياطي النفطي المتبقي يبلغ 1 في المائة. من ملاحظة الجدول رقم (2) الذي يستعرض مستويات الاحتياطي النفطي خلال السنوات الخمس الماضية (2003 ـ 2007)، يتضح أن احتياطيات المملكة النفطية حافظت على مستوياتها عند 264 مليار برميل، على الرغم من مستويات الإنتاج العالية التي بلغ معدلها 3.26 مليار برميل في سنة، ما يعني أنه يتم تعويض حجم المسحوب من النفط من خلال اكتشافات جديدة تضاف إلى الاحتياطي العام، ما يؤدي بالتالي إلى محافظة الاحتياطي النفطي على مستوياته. #3# إدارة الاحتياطيات النفطية حسبما تقدم آنفا، تتمحور إدارة الاحتياطيات النفطية في المملكة حول إضافة احتياطيات جديدة لا تقل عن مستويات الإنتاج السنوي للمحافظة على المستويات الحالية للاحتياطيات النفطية، وهذا المبدأ تجسده محافظة المملكة على مستويات من الاحتياطي النفطي تزيد على 260 مليار برميل خلال العقدين الماضيين وتحديدا منذ عام 1989م. وفي هذا السياق من المهم الإشارة إلى أن تعظيم العوائد الاقتصادية للنفط يتطلب إدارة الاحتياطيات بكفاءة وإطالة عمر الاحتياطيات. وعلى افتراض عدم حصول اكتشافات جديدة، وهو أمر مستبعد كليا، فإن مستوى الاحتياطي النفطي المثبت سيبدأ في التناقص مع استمرار الإنتاج، وعلى هذا الأساس فإن حجم الإنتاج سيحدد عمر الاحتياطي النفطي. وبما أن الاحتياطي يتم استهلاكه بمرور الوقت، فإن مستوى الإنتاج الأمثل خلال فترة ما يعتمد على السعر الحالي والسعر المتوقع. فإذا افترضنا أن السعر الحالي للنفط هو 50 دولارا للبرميل والسعر المتوقع عام 2009 هو 90 دولارا للبرميل يصبح من الأفضل تقليص الإنتاج في الوقت الحاضر وزيادته في العام المقبل. لكن الأمر ليس بهذه البساطة فهو يحتاج إلى توازن دقيق بما لا يجعل الكفة تميل لصالح تفضيل الإنتاج في الغد لضمان الحصول على أسعار أفضل، لأن ذلك سيقود إلى خلل في ميزان العرض والطلب في الأسواق العالمية قد تنتج عنه أزمة تؤدي إلى انعكاسات سلبية على نمو الاقتصاد العالمي الأمر الذي ينعكس بدوره على الطلب على النفط. وعند قراءة البيانات المدرجة في جدول (3) بتركيز تبرز عدد من الاستنتاجات، لعل أبرزها: * أولا: يبلغ عمر الاحتياطي النفطي العالمي في الوقت الحاضر 46 عاما وبمستويات تراوح ما بين أقل من عشرة أعوام في أوروبا الغربية وأكثر من 90 عاما في الشرق الأوسط. والمهم في هذا السياق ملاحظة أن عمر الاحتياطي النفطي في كل من: أمريكا الشمالية، أوروبا الغربية، ومنطقة آسيا والباسيفك، وهي الأسواق الرئيسة للنفط في الوقت الحاضر، يبلغ على التوالي 11.3 عام، 9.6 عام، 14.3 عام، وهذا مؤشر إلى أن حجم واردات هذه المناطق من النفط سيرتفع بصورة كبيرة مع نضوب احتياطياتها النفطية خلال العقد المقبل. #4# ثانيا: باستثناء المملكة والشرق الأوسط، يلاحظ أن نسب مستويات الإنتاج في كل المناطق المدرجة في الجدول (3) تتجاوز نسب الاحتياطي النفطي فيها، بمعنى آخر أن كفة الميزان في تلك المناطق تميل لصالح تفضيل الإنتاج اليوم بدلا من الغد. وعلى العكس من ذلك فإن المملكة والشرق الأوسط تسجل نسب الإنتاج فيها (نسبة إلى الإنتاج العالمي) مستويات أقل من نسب الاحتياطي النفطي (نسبة إلى الاحتياطي العالمي)، حيث تبلغ نسبة الإنتاج في المملكة إلى الإنتاج العالمي نحو 12.33 في المائة، وهي أقل من نسبة الاحتياطي النفطي في المملكة إلى الاحتياطي العالمي التي تبلغ نحو 22 في المائة. والأمر نفسه ينطبق على منطقة الشرق الأوسط، التي تبلغ فيها نسبة الإنتاج إلى الإنتاج العالمي 31.5 في المائة وهي أيضا أقل من نسبة احتياطياتها النفطية إلى الاحتياطي العالمي التي بلغت 61.6 في المائة، وهذا مؤشر إلى أن التفضيل في كل من المملكة والشرق الأوسط هو للإنتاج في الغد بدلا من اليوم. ثالثا: عند مستويات الإنتاج الحالية المرتفعة يبلغ عمر الاحتياطي النفطي في المملكة 82 عام يمكن إطالته أو المحافظة عليه من خلال إضافة اكتشافات جديدة أو ترشيد الإنتاج، وهو أمر مستبعد في ظل الالتزامات الدولية على المملكة. مما تقدم يكمن القول إن إطالة عمر الاحتياطيات النفطية يمثل حجر الزاوية في استراتيجية النفط في المملكة التي تقوم على تحديد مستويات الإنتاج بما يجسد المزاوجة بين مصلحة اقتصادية وطنية (تتمثل في تحقيق عوائد نفطية عالية على سلعة ناضبة وتوظيف تلك العوائد لتنمية القطاعات الاقتصادية غير النفطية وفي مقدمتها القطاع الصناعي)، ومسؤولية عالمية لضمان إمداد الأسواق العالمية باحتياجاتها من هذه السلعة الحيوية. وفي كل الأحوال يحتاج الأمر إلى توازن دقيق بما لا يجعل الكفة تميل لصالح تعظيم حجم الإنتاج النفطي على حساب إدارة الاحتياطيات بكفاءة وإطالة عمر الاحتياطيات، بما يضمن تعظيم الفوائد الاقتصادية لهذه السلعة الناضبة.
إنشرها