Author

الموجودات الأجنبية للمؤسسة 1.68 تريليون ريال .. ما معنى ذلك؟

|
تضمنت النشرة الإحصائية الصادرة عن مؤسسة النقد العربي السعودي للربع الثالث عام 2008، رقماًً قياسياًً لإجمالي الموجودات الأجنبية التي تمتلكها المؤسسة التي بلغت 1.68 تريليون ريال. السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو مدى أهمية هذه المعلومة بالنسبة للاقتصاد الوطني ككل والأفراد داخل هذا الاقتصاد؟ وللإجابة عن هذا التساؤل، علينا أولاًً أن نتعرف على مهية الموجودات الأجنبية، ومن ثم نلقي الضوء على أهميتها بالنسبة للاقتصاد الوطني لأي بلد. إن من المعلوم أن البنك المركزي في أي بلد، بصفته بنك الحكومة أو كما يسمى بنك البنوك، يلعب دوراًً حيوياًً في الاقتصاد الوطني، فبحكم أنه مسؤول عن تفعيل السياسة النقدية التي تصوغها الحكومة، يقوم البنك المركزي بمهام جوهرية أخرى تتضمن، على سبيل المثال لا الحصر، مراقبة المعروض من النقود داخل الاقتصاد الوطني، الإشراف على البنوك التجارية ووضع التشريعات اللازمة لتنظيم عملها، وتحديد أسعار الفائدة الرسمية من أجل إدارة معدلات التضخم وسعر الصرف الخاص بالعملة المحلية. #2# إلى جانب المهام المذكورة، يقوم البنك المركزي بمهمة أخرى ذات أهمية كبيرة وهي بناء احتياطيات من الموجودات الأجنبية (تتضمن استثمارات في أوراق مالية، ودائع لدى بنوك خارجية، احتياطيات من النقد الأجنبي والذهب، إضافة إلى استثمارات أخرى). إن هذه الاحتياطيات تعد بمنزلة صمام الأمان الذي يحمي الاقتصاد الوطني من أي صدمات أو كبوات من المحتمل أن يتعرض لها، كما أنها (أي الاحتياطيات) تعد مقياسا للملاءة المالية التي يتمتع بها أي اقتصاد. من ذلك، فإن البنك المركزي من خلال سياسة تكوين احتياطيات من الموجودات الأجنبية يرمي إلى تحقيق الأهداف التالية: 1. إيجاد احتياطي من الموجودات لمواجهة الكوارث وحالات الطوارئ، التي قد يتعرض لها أي بلد. 2. إيجاد قاعدة صلبة من العملات الأجنبية تحد من نسبة انكشاف الاقتصاد الوطني للمخاطر الخارجية (مثل عدم توفر مصادر التمويل)، خصوصاًً عند حدوث أزمات اقتصادية كالأزمة التي يعيشها العالم في الوقت الراهن. 3. تعزيز موقف الحكومة وإضفاء مزيد من الثقة لاتخاذ القرارات المناسبة فيما يخص السياسات النقدية وسعر صرف العملة المحلية. 4. زيادة ثقة الأسواق في إمكانية الاقتصاد الوطني على الوفاء بالتزاماته الخارجية. 5. إيجاد حائط صلب من الموجودات الأجنبية يعمل على حماية وتعزيز قيمة العملة المحلية. 6. مساعدة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها ومديونياتها الخارجية. 7. مساعدة الحكومة على القيام بعمليات التبادل المختلفة مع الدول الأجنبية بيسر وسهولة دون التعرض لمخاطر تذبذب أسعار العملات. 8. توفير عوائد استثمارية معقولة للاقتصاد الوطني. من هذا المنطلق نجد أن مؤسسة النقد العربي السعودي عكفت في السنوات الأخيرة على تغذية أرصدتها من الموجودات الأجنبية، من خلال توجيه جزء من الفائض في الميزانية لرفع مستوى هذه الاحتياطيات، مستغلة بذلك الوفورات المالية التي حققتها الطفرة الاقتصادية الأخيرة بسبب ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية. لقد نتج عن ذلك وصول إجمالي هذه الاحتياطيات إلى 1.68 تريليون ريال بنهاية الربع الثالث من العام الحالي، وهو مستوى قياسي إذا ما قورن برصيد عام 2002 الذي قارب 200 مليار ريال. من جانب آخر، نجد أن تبني مثل هذه السياسة من قبل المؤسسة له أبعاد استراتيجية مهمة، فالمملكة بحكم أنها ما زالت تعتمد بنسبة كبيرة على النفط كمصدر رئيسي للدخل، فإن نسبة انكشافها لمخاطر التذبذب في أسعار النفط في الأسواق تعد كبيرة نسبيا. وخير دليل على ذلك وصول أسعار النفط الخام في بورصة لندن إلى مستوى 50.6 دولار للبرميل في تعاملات الخميس الماضي الموافق 13/11/2008، بعد أن وصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق فوق 147 دولارا للبرميل في منتصف تموز (يوليو) الماضي. ولكن تجدر الإشارة هنا إلى أن وصول إجمالي الموجودات الأجنبية إلى هذا المستوى أصبح يشكل عبئاً كبيراً ومسؤولية ثقيلة على عاتق صناع القرار في المؤسسة، حيث إنه يزيد من أهمية إيجاد استراتيجيات واضحة ومحددة لإدارة هذه الاحتياطيات، إضافة إلى ذلك فإن إدارة هذه الاحتياطيات تتطلب نظما للحوكمة توضح الأدوار والمسؤوليات والأهداف الخاصة بالجهة المسؤولة عن إدارة هذه الاحتياطيات من جهة، تحدد كيفية إيجاد نظام رقابي، آليات المراجعة، متابعة الأداء، ومستوى الشفافية والإفصاح المطلوبة من جهة أخرى.
إنشرها