Author

تقنيات الوقود الأحفوري النظيف ( 1 )

|
(تأتي المملكة العربية السعودية على رأس دول منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" الداعمة لتقنيات الوقود الأحفوري النظيف). لقد بينا في مقال سابق أن الطلب على الطاقة سينمو بمعدل 1.7 في المائة سنويا حتى عام 2030، على فرض أن النمو الاقتصادي العالمي في المتوسط سيكون بحدود 3.5 في المائة، وفي الوقت نفسه ليس هنالك تغيير كبير عن الاتجاهات الحالية في السياسات والتقنيات. هذا النمو يمثل زيادة في الطلب على الطاقة أكثر من 50 في المائة بين عامي 2006 و2030. ووفقا لهذه التوقعات فإن أنواع الوقود الأحفوري ستواصل تقديم معظم احتياجات الطاقة في العالم، بحصة أكثر من 85 في المائة. ومن التوقع أن يستمر النفط في موقع الصدارة في توريد احتياجات العالم المتزايدة من الطاقة، كما كان في العقود الأربعة الماضية. ولضمان نمو مستقبلي في الطاقة بحيث تدعم كلا من النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي، وتكون في الوقت نفسه متوافقة مع معالجة قضية تغير المناخ، تبرز الحاجة إلى تعزيز التنمية في وقت مبكر ونشر تقنيات الوقود الأحفوري النظيف. وتأتي السعودية والإمارات وباقي دول الخليج والجزائر على رأس دول منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" الداعمة لتقنيات الوقود الأحفوري النظيف. الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ IPCC قد حدد تقنية احتجاز الكربون وتخزينه باعتبارها التكنولوجيا التي من شأنها أن تسهم إسهاما كبيرا في تخفيف نمو انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون. وقد بيّن هذا الفريق أن لهذه التقنية القدرة على احتجاز وتخزين ما بين 200 و2000 gigatons من غاز ثاني أوكسيد الكربون بحلول عام 2100. هذا يمثل ما يقارب 15 إلى 55 في المائة من الجهد العالمي اللازم لتخفيف وتثبيت تركيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي للأرض. إن تقنية احتجاز الكربون وتخزينه يمكن تطبيقها على المصادر الكبيرة والثابتة لانبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون، مثل محطات توليد الطاقة الكهربائية، ومعامل الصلب والحديد والأسمنت. وحسب تقديرات الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ فإنه بحلول عام 2050 يمكن احتجاز نحو 20 إلى 40 في المائة من الانبعاثات العالمية لغاز ثاني أوكسيد الكربون من الوقود الأحفوري، بما في ذلك 30 إلى 60 في المائة من انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون من محطات توليد الطاقة الكهرباء، و30 إلى 40 في المائة من المصادر الصناعية الأخرى. وبالإضافة إلى ذلك فإن تقنية احتجاز الكربون وتخزينه يمكن أن تستخدم أيضا بالاشتراك مع الاستخلاص المعزز للنفط باستخدام غاز ثاني أوكسيد الكربون EQR، الذي يقدم فائدة ليست فقط لتخزين غاز ثاني أوكسيد الكربون، ولكن أيضا يساعد على زيادة استخلاص النفط. البلدان المتقدمة صناعيا، لديها القدرات المالية والتقنية، وكذلك تتحمل المسؤولية التاريخية لانبعاثات الغازات الدفيئة، خصوصا غاز ثاني أوكسيد الكربون، لذلك ينبغي أن تأخذ هذه البلدان على عاتقها زمام المبادرة في نقل وتطبيق تقنية احتجاز الكربون وتخزينه على نطاق واسع. عملية احتجاز الكربون وتخزينه تتكون من جزأين منفصلين، "الاحتجاز"، أي منع انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون إلى الهواء، وعملية "العزل" أو "التخزين" للكربون المحتجز. إن عملية احتجاز الكربون تعني فصل غاز ثاني أوكسيد الكربون عن باقي الغازات والجسيمات التي غالبا ما تنتج في العوادم من جراء احتراق الوقود الأحفوري. وبمجرد أن نحصل على الكربون النقي نسبيا، يجب إيجاد مكان لتخزينه "بشكل دائم". وسنتكلم عن هذا الموضوع لاحقا، عندما نتحدث عن أماكن تخزين النفايات السامة. التحدي الأكبر في عملية الاحتجاز، هو الحصول على كربون نقي، وذلك لكون عوادم النفايات في محطات توليد الطاقة الكهربائية ومعامل الصلب والحديد والأسمنت تحتوي على أكاسيد وغازات سامة أخرى، ما يجعل من الصعب احتجاز الكربون وحده بصورة آمنة. وعليه تم تطوير ثلاثة أساليب مختلفة لعزل واحتجاز الكربون وهي: * احتجاز الكربون بعد عملية الاحتراق: في هذه الطريقة يتم احتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون بعد عملية احتراق الوقود بالكامل. وتشمل جميع أنظمة وأجهزة تنقية الكربون، ويمكن أن يطبق هذا الأسلوب على جميع محطات توليد الطاقة الكهربائية القائمة حاليا. * احتجاز الكربون قبل عملية الاحتراق: هو جزء مما يعرف بتقنية "الفحم النظيف"، إن بعض محطات توليد الطاقة الجديدة المقترحة التي تعمل بالفحم وبتقنية الدورة المشتركة المتكاملة للغاز IGCC، يمكن أن تستخدم احتجاز الكربون قبل عملية الاحتراق. وتنطوي فكرة تقنية الدورة المشتركة المتكاملة للغاز IGCC عن عملية أكسدة الوقود في المحول إلى الحالة الغازية Gasifier قبل الاحتراق. وينتج عن هذه العملية غاز يعرف بالغاز الاصطناعي، الذي يتكون من أكاسيد الكربون والهيدروجين. انبعاثات الكربون الناتجة يمكن سحبها بتيار نقي نسبيا بينما يتم حرق الهيدروجين كوقود. إن معظم محطات توليد الطاقة المقترحة حديثا في بلدان كثيرة والتي تعمل بالفحم، مصممة بتقنية الدورة المشتركة المتكاملة للغاز IGCC، على أمل تقليل القيود على الانبعاثات من خلال الحصول على تيارات للنفايات أنظف وأنقى. ولكن حتى هذه المشاريع تواجه صعوبة في الحصول على الموافقات المطلوبة أو إثبات ربحيتها. * احتجاز الكربون خلال عملية احتراق الوقود الأحفوري في الأكسجين Combustion Oxyfuel النقي بدلا من الهواء الطلق، حيث يتم في هذه العملية تدوير غازات العوادم خلال غرفة الاحتراق لتبريد المفاعلات. وتيار الانبعاثات الناتج عن هذه العملية يتكون من غاز ثاني أوكسيد الكربون النقي وبخار الماء فقط. ومن ثم يتم فصل بخار الماء بالتكثيف تاركا غاز ثاني أوكسيد الكربون النقي، الذي يسهل احتجازه. وفي حين أن التكنولوجيات المعنية في عزل واحتجاز الكربون قد ثبت عملها من الناحية النظرية والعملية، إلا أن التحدي الكبير الذي يواجه الحكومات والصناعة لتطبيقها على نطاق واسع من أجل خفض حقيقي لانبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون هو التكلفة العالية والسلامة. حيث إنه وفقا لمعظم التقديرات الحالية، فإن عملية عزل واحتجاز الكربون تستهلك طاقة كبيرة وكذلك ترفع تكلفة توليد الكهرباء بنسبة 50 في المائة أو أكثر تبعا لنوع الوقود المستخدم في المحطة، وهذا ينطبق على جميع الطرق الآنفة الذكر. وبعد عملية عزل واحتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون تتم إزالته من وحدات الفصل ونقله بأمان إلى أماكن الخزن الملائمة، ويجب أن تتم هذه المرحلة بأقل تكلفة وأقل استخدام للطاقة. من أجل الحفاظ على الوقت والنفقات للنقل إلى أدنى حد ممكن، ستبذل جهود في المستقبل لتحديد أماكن ومخازن تحت الأرض بالقرب من محطات عزل واحتجاز غاز ثاني أوكسيد الكربون. وفي الجزء الثاني سنتطرق إلى تقنيات خزن غاز ثاني أوكسيد الكربون، وكذلك إلى تقنية الاستخلاص المعزز للنفط باستخدام غاز ثاني أوكسيد الكربون EQR.
إنشرها