Author

حافلات وقطارات النقل العام وأيهما الأول البيضة أم الدجاجة؟

|
يتهكم الكثير منا على تأخر دخولنا في مجال النقل العام بالحافلات والقطارات الخفيفة، وكأنهم ينتظرونها بفارغ الصبر بينما في الحقيقة، إننا يجب أن نسأل أنفسنا أولا هل نحن جاهزون للمرحلة القادمة من وسائل النقل الحديثة، سواء الحافلات الذكية أو القطارات الخفيفة. وهل فعلاَ سيقوم المواطن باستخدامها، أم هي المشكلة المعروفة أيهما أولا البيضة أم الدجاجةَ. بمعنى هل نضع وننفذ شبكة النقل العام وبتكلفة عالية ثم نفاجأ بأن الكثير لا يتنازلون للركوب فيها، وتبقى خدمة فقط للعمالة الأجنبية. أم أننا يجب أن ندرس الموضوع ونتأكد عن طريق الاستبانات والبحث العلمي لمعرفة مدى تقبل المواطن لها، وهل لو وجدت سيكون هناك نسبة كبيرة من الركاب لها ولو على الأقل العدد أو الطلب الكافي لتحقيق جدوى التكلفة ومصاريف التشغيل والإدارة. وبالطبع هناك دور كبير للوزارات والجهات المعنية بالنقل العام للبدء في برامج التوعية لأهمية وضرورة استعمال المواطن للنقل العام لحل مشكلات مدننا، سواء من الازدحامات المرورية أو المشكلات البيئية. وقبل أن تصبح شوارعنا مواقف سيارات، كما أشار إليها أمين مدينة الرياض. وساعتها سنرضخ للأمر الواقع أو نديرها كعابي!! النقل العام هو وسيلة نقل للركاب وله خطوط معينة يعمل عليها ويعمل حسب جدول محدد متفق عليه مسبقا. ويتم الربط بينها بواسطة محطات تحويل من خط إلى آخر، وتسمى بمحطات أو مراكز النقل العام (مثل مركز الرياض للنقل العام أو أصغر منه) أو محطات تداخل أنواع النقل المختلفة من حافلات وقطارات ثقيلة وخفيفة. ولقد حددت جمعية النقل العام الأمريكية أنه يشمل كل المركبات التي صممت لنقل الركاب على الخطوط المحلية والإقليمية داخل المدينة. وتشمل هذه الخدمات خدمات الحافلات العامة والخاصة، الحافلات الكهربائية، مشاركة الرحلة في الحافلات الصغيرة والكبيرة، خدمات النقل الخاصة حسب الطلب، القطارات الخفيفة والثقيلة، ووسائل النقل التي تعمل بشكل أوتوماتيكي مثل سيارات الكيبل، القطارات المعلقة، العبارات والسفن، والمركبات المعلقة وغيرها. والنقل العام يضم تحته جميع تلك الأنظمة التي تنقل السكان والأمتعة. وعادة يكون لها تعرفة مدروسة لتكون في متناول الجميع، ويكون الركوب مشتركا مع الآخرين. ويكون لها خط سير ومحطات وقوف محددة. وهي توفر الخدمة على خط سير معروف ومحدد وفق تعرفة ثابتة، وغالباَ دون حجز مسبق. وتكون دوراتها مستمرة، والنقل العام له إيجابياته الكبيرة في مناطق التجمعات السكانية عالية الكثافة، ونظراَ لأهميتها، فإن بعض السلطات المرورية تعطيها الأولوية في السير والمسار وبرمجة فتح الإشارات وغيرها من الأساليب لإدارة نظام النقل العام TSM. ويعد تقديم خدمات نقل عام مريحة وآمنة ومنتظمة وذات مصداقية عالية ضرورة أساسية من ضرورات الحياة في المناطق الحضرية والمدن. ومن بين أكثر وسائل النقل العام شيوعاَ للاستعمال في المدن وخارجها و تستعمل إما منفصلة أو بالتنسيق مع بعضها بعضا. تبرز الحافلات والحافلات الكهربائية، والقطارات والقطارات الخفيفة وقطارات الأنفاق، ووسائل النقل الخاصة بالحافلات الصغيرة وغيرها، التي تستهدف شرائح اجتماعية محددة. ويعتمد اختيار نظام النقل المناسب على عدد الركاب المطلوب نقلهم والمسافة المطلوبة للتنقل. وكذلك خطوط النقل وأنظمة النقل المستخدمة في المدينة التي تتغير مع مرور الوقت، وذلك نتيجة قدم نظام النقل، أو محدودية قدرته الاستيعابية، أو أن يصبح هذا النظام غير مجد اقتصاديا، وهناك حاجة لاستبداله بنظام آخر يتناسب مع هذه المرحلة، وهذا بالتحديد ينطبق على نظام النقل التقليدي في معظم المدن وهو النقل بالحافلات، والذي يعد نظام نقل من الدرجة الثانية إذا ما قورن بوسائل النقل الحديثة والمتطورة. لذلك، فإن نظام النقل بالحافلات يعد وسيلة النقل التقليدية في أغلب المدن في الكثير من الدول ولسنوات طويلة. وفي السنوات الأخيرة تطورت وسائل النقل بالحافلات من خلال تصاميم جديدة ومتطورة للحافلات وأكثر نظافة وطورت البنية التحتية للنقل من خطوط نقل ومحطات تحويل وأعطيت حوافز ومعايير وتشريعات خاصة بها لتشجيع هذه الوسيلة المهمة للتنقل في المدينة. وقد أثبتت القطارات الخفيفة أنها وسيلة النقل المفضلة، التي أثبتت نجاحها في أكثر من 100 مدينة حول العالم. ويعود ذلك إلى أنها قاطرات خفيفة وعملية وقادرة على الحركة بشكل سريع وتحمل ما بين 200 و280 راكبا، ولها مسار خاص بها، ما يسهل حركتها في المدينة. وقد أسهمت زيادة شعبية القطارات الخفيفة في المدن بشكل كبير في زيادة استخدام وسائل النقل العام في المدن، بالذات مع وجود وسائل نقل أخرى مساندة لنقل الركاب من داخل الأحياء في المدينة، مثل الحافلات التي تغذي خطوط القطارات الخفيفة. والسبب الرئيس في جاذبية هذه الوسيلة عن غيرها هو مستوى الدقة والسرعة والراحة في تقديم هذه الخدمة. أما القطارات الثقيلة التي فقدت بريقها في أغلب المدن بالذات الصناعية منها، أصبحت أكثر جاذبية في الوقت الحاضر، وذلك نتيجة ازدياد الازدحامات المرورية في مراكز المدن، إضافة إلى زيادة تكلفة المواقف في مراكز هذه المدن. كما أن التنقل للمسافات القصيرة داخل المدن بين المراكز الحيوية في المدينة كمراكز النشاط التجاري والمطارات وغيرها وزيادة الازدحامات على الطرق المؤدية لهذه النشاطات حتمت أهمية استخدامات القطارات الثقيلة للتنقل بين هذه المراكز الحيوية في المدن الكبرى. ويمكن استخدام القطارات السريعة للتنقل للمسافات الطويلة، ولربط المدينة بالمناطق المحيطة بها، والضواحي التي على أطراف المدن. كما أن قطارات الأنفاق بنيت في المدن الكبرى مثل باريس، نيويورك، طوكيو، ولندن منذ أكثر من مائة عام في معظم هذه المدن الكبرى، ولقد تم توسعتها وتطويرها خلال هذه الفترة. وبالرغم من تكلفتها العالية، إلا أنها ما زالت كخيار أساسي للتنقل داخل المدن بالذات الكبرى والمزدحمة، ولقد بنيت حديثا قطارات أنفاق في كل من مدينة مكسيكو وشنغهاي وهونج كونج وتستخدم بشكل كبير للتنقل في هذه المدن. لكن بسبب تكلفتها العالية بدأت بعض المدن بناء بعض البدائل الأخرى كالقطارات الأرضية والقطارات فوق الأرض (المونوريل) مع الالتزام بالاشتراطات التخطيطية والبيئية المتلازمة معها.ويلعب النقل العام دوراً مهماً في التواصل الاجتماعي ودعم الاقتصاد والسياحة المحلية بين مدن المملكة المختلفة والدول المجاورة ، وبلا شك، فإن موقع المملكة الاستراتيجي بين دول المنطقة وكبر مساحتها الجغرافية يشكل دعماً لنجاح النقل العام، حيث إن المملكة تشكل وجهة دينية ومقصدا للمسلمين بوجود الحرمين الشريفين بمدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، وفي ظل التوجهات الحالية لتفعيل السياحة في مدن المملكة المختلفة. لذلك فإنه من المناسب أن نبدأ في التخطيط والتوعية المسبقة للتشجيع على ارتياد النقل العام وتحسين صورته للمواطن. وتكثيف الجهود لترسيخ مفهوم النقل العام ومزاياه، وزيادة الوعي والإدراك بأهمية هذا الأسلوب من النقل على المستويين الرسمي والشعبي، ودعمه بعوامل جذب فاعلة لتشجيع استخدامه، وبما يسهم في الإقلال من الاعتماد المتزايد على وسائل النقل الخاص. والأفضل أن يكون هناك هيئة تأسيسية مؤقتة وتنفيذية للبدء في التخطيط المتوازي من الآن في اتجاهين، الأول المضي قدماَ في استراتيجيات، وتخطيط وتنفيذ مسارات النقل العام ثم تجهيز المركبات المريحة والجذابة. والآخر هو للتوعية والقيام بالأبحاث لمعرفة مدى تقبل المواطن وتفاعله مع إشغال أو ركوب النقل العام. وفي كل الحالتين يجب أن نحاول معرفة رغباتهم ومدى تطبيق تلك المركبات أو مراكز النقل لعاداتنا وتقاليدنا، ومدى الفخامة التي نود أن نراها في تلك المركبات بناءَ على واقعنا ومقدراتنا الاقتصادية.
إنشرها