الفيدرالي الأمريكي يخفف من سحب السيولة

منذ صيف 2022 ومجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يقوم بسحب السيولة البنكية بحد أقصى 95 مليار دولار شهريا، ولكن الخميس الماضي أعلن المجلس أنه سيخفف ذلك إلى 60 مليار دولار شهريا، عبارة عن 25 مليار دولار متعلقة بالسندات الحكومية و35 مليار دولار خاصة بسندات الرهن العقاري. ما أسباب تراجع الفيدرالي عن عمليات سحب السيولة وما تأثير ذلك في أسعار الفائدة؟
كانت أصول الفيدرالي أقل من واحد تريليون دولار ما قبل الأزمة المالية العالمية 2008، وارتفعت إلى أربعة تريليونات دولار مباشرة قبل اندلاع أزمة كورونا، ثم أخذت بالتصاعد المذهل إلى نحو تسعة تريليونات دولار في أبريل 2022، وعندها أعلن الفيدرالي عزمه تخفيف ما لديه من أصول بالتخلص منها بمقدار 95 مليار دولار شهريا، مستغلا في ذلك حاجته إلى رفع معدلات الفائدة لمكافحة التضخم. للتوضيح، عندما يقوم الفيدرالي بسحب السيولة فإن ذلك يؤدي إلى ارتفاع معدلات الفائدة، وهذا يتماشى مع سياسته إزاء خفض معدل التضخم، فكانت العملية عبارة عن صيد عصفورين في حجر واحد، تخفيف ما لديه من أصول ومكافحة التضخم.
الطريقة المتبعة أن يقوم بنك الفيدرالي في نيويورك بترك 60 مليار دولار شهريا من السندات المنتهية دون تجديد، وكذلك ترك 35 مليار دولار من سندات الرهن العقاري دون تجديد، ما يعني أنه فعليا يقوم بسحب 95 مليار دولار من النظام البنكي. لمزيد من الإيضاح، الفيدرالي قام سابقا بشراء سندات حكومية وسندات رهن عقاري، وهذه السندات لها تواريخ استحقاق يقوم عندها مصدروها بدفع قيمها الإسمية للمستثمرين، كما يحدث في جميع السندات. وبما أن حامل السندات هو الفيدرالي كونه قام بشرائها مباشرة من الأسواق في السنين الماضية، فستقوم الجهات المصدرة بتسليم الفيدرالي القيم الاسمية لهذه السندات، علاوة على ما قاموا بدفعه على هيئة فوائد دورية كل ستة أشهر. وفي حال أن الفيدرالي لم يقم باستخدام هذه المبالغ لشراء سندات جديدة، فإنه يقوم بشطبها من رصيد الأصول التي لديه، فينتج عن ذلك خفض لحجم أصوله، التي كانت 9 تريليونات دولار كما ذكرنا، وفي الوقت نفسه هذه المبالغ تخرج من السيولة البنكية، وهذا بالطبع يؤدي إلى ضغوط على احتياطيات البنوك ويؤدي إلى ارتفاع معدلات الفائدة.
السياسة الجديدة للفيدرالي تعني أنه سيخفف من سحب السيولة بإجمالي 35 مليار دولار شهريا، وهذا سيؤدي إلى إبقاء السيولة داخل النظام البنكي، ما يعني استقرار أو تراجع معدلات الفائدة، ولكن ذلك وجه واحد من العملية، فالفيدرالي كذلك لديه سلاح تحديد السعر المستهدف للاقتراض بين البنوك، وهو الذي أبقاه عند مستوى 5.5 % في اجتماعه الأخير. هذا يعني أن سياسة تغيير مستوى سحب السيولة تعارض توجه الفيدرالي لإبقاء معدل الفائدة عند 5.25 % كنطاق أدنى، لأن عليه الآن بذل مزيد من الجهود لمنع السعر المستهدف من الانخفاض إلى ما دون ذلك عندما يقوم بترك السيولة في الأسواق في الفترة المقبلة.
تخفيف سحب السيولة خاص بالسندات الحكومية وليس سندات الرهن العقاري، فبدلا من سحب 60 مليار دولار سيقوم بسحب 25 مليار دولار منها فقط، وأما سندات الرهن العقاري فستترك تنتهي دون تجديد، والسبب أن كمية هذه السندات قليلة نسبيا، 2.4 تريليون دولار، إضافة إلى أنه بسبب ارتفاع معدلات الفائدة في العامين الماضيين فإن نسبة سندات الرهن العقاري التي يتم سدادها مبكرا تكاد تكون معدومة نتيجة عدم رغبة المقترضين العقاريين السداد المبكر كونهم تحصلوا على نسب فائدة قليلة في السنين السابقة.
الأصول الآن انخفضت إلى 7.4 تريليون من تسعة تريليونات، لكن استمرار ذلك يتطلب سحب كميات كبيرة من السيولة البنكية، ما يؤدي إلى رفع معدلات الفائدة وهذا يتعارض مع سياسة إبقائها عند مستوياتها الحالية، 5.5 %، ومن جهة أخرى رفع معدلات الفائدة له تأثيرات سلبية كبيرة على مقدرة وزارة الخزانة على الاستمرار في طرح السندات لتمويل عجز الميزانية الحكومية، ويؤدي إلى رفع تكلفة الدين على الحكومة بشكل غير مقبول.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي