إدارة الأعمال بالشهادات لا بالمهارات

إدارة الأعمال علم وفن والقول بأن هذا زمن المهارات وليس الشهادات عبارة خادعة ينقصها الحكمة، فقد ولى ذلك الزمن الذي يستطيع الشخص أن ينجح في عالم الأعمال بمهاراته العصامية، متحديا نماذج إدارة الأعمال المعروفة بالضرورة، ومتحديا كل علم المحاسبة والقوائم المالية، لقد ولى ذلك الزمن الذي يمكن للشخص أن يصنع ثروة من غير أن يكون لديه نظام محاسبي جيد ونظام رقابة داخلية كفء، ولم يدخل دورة جادة في إدارة الأعمال تتضمن أساسيات اتخاذ القرار وتقيم البدائل وحالة عدم اليقين وتقلبات أسعار الفائدة.

أقول اليوم وبكل ثقة، لقد ولى ذلك الزمن، وذلك لعدة أمور شكلت واقعا جديدا في الاقتصاد السعودي، أولها دخول منظومة الإيرادات غير النفطية، والتحول الرقمي بعديد من التطبيقات والمنصات الرقية وتفعيل أنظمة مهمة للاقتصاد مثل مكافحة التستر، ومكافحة غسيل الأموال، والمنافسات الحكومية، مع ما أحدثه برنامج التحول الوطني من رقابة الحكومية فاعلة سواء في بيئة العمل أو العلاقات التعاقدية بين العامل ورب العمل والعملاء والموردين، وكذلك منظومة إيجار، والآليات الحديثة للتقاضي وما يرتبط بها من منصات إلكترونية متقدمة، إضافة لمنظومة من الضرائب الجديدة كليا على الاقتصاد السعودي، وبالطبع فإن مثل هذه التطورات الهائلة جدا قد نقلت الاقتصاد السعودي وبيئة الأعمال إلى مرحلة جديدة كليا من النضج، وفقا لفلسفة السوق الحرة وحماية المنافسة العادلة، وهذا يتطلب نماذج من إدارة الأعمال وعلومها مما لم يعد يفي معه النموذج العصامي السابق، وبالطبع فإن لهذا التغير أثرا في هيكل الاقتصاد والأسواق يجعل من يصر على البقاء عند نفس أساليب العمل القديمة ومدعي المهارات فقط معرضا للتوقف وهذا حتمي عندي.
هنا أقول لكل من يريد الدخول إلى عالم الأعمال والتجارة في السعودية، عليك قراءة النشرات الاقتصادية وتحليلها جيدا، فمثلا نشر البنك المركزي إحصاءاته الشهرية التي تتضمن حجم الإنفاق من خلال نقاط البيع والذي بلغ نحو 47 % من إجمالي الإنفاق خلال مارس، بواقع 59.7 مليار ريال بعدما نمت المبيعات 7.7 % على أساس سنوي، في حين تراجعت السحوبات النقدية إلى 50.6 مليار ريال، لتشكل نحو 40 % من الإنفاق، بينما وبلغ الإنفاق عبر التجارة الإلكترونية عبر بطاقات مدى، 12.6 % من الإجمالي بواقع 15.9 مليار ريال، مسجلا أعلى إنفاق بحسب البيانات المتوافرة، بعد ارتفاعه 17.7 %.

تجاهل مثل هذه البيانات وعدم دراستها بتأن قد يفوت فرص لا حصر لها، وقد يتسبب في تآكل المبيعات، فبينما تنمو المبيعات في الاقتصاد السعودي بنسب 7 % وهو نمو قوي جدا، فإن المبيعات النقدية منها تتراجع، لتفسح المجال للمبيعات عن طريق نقاط البيع، وهذا التغير في سلوك المشترين لم يأتي من فراغ بل هو بدعم من رؤية 2030، والتحول نحو التعاملات الرقمية، فمن يتجاهل هذا بعدم توفير أجهزة نقاط البيع وقبول الأنواع المختلفة من هذه البطاقات، ستتراجع مبيعاته حتما، وإذا قبل الشخص بوجود نقاط البيع فإن عليه مراقبة حساباته بدقة، والتعامل بحذر مع الحسابات الشخصية والفصل بين حسابات المؤسسة وحسابات صاحب المؤسسة وأسرته وإلا فإن النقدية ستتآكل بسرعة رهيبة، ما يجعل المؤسسة عاجزة عن الوفاء بالمستحقات الضريبية في وقتها الصحيح، كما أن الأرقام تشير إلى نمو مرعب في التجارة الإلكترونية وهذا النمو مستدام فلا بد من تطوير المواقع الإلكترونية للمؤسسات توظيف الماهرين فيها وهذا يتطلب تحولات عميقة في إدارة الموارد البشرية، وهكذا وفقا لهذا التصورات فإن الأفكار التجارية الجيدة وروح المغامرة ليست كفيلة بالنجاح، طالما لا يملك الشخص روحا قيادية وشيئا من علم الإدارة، وتوظيفا جيدا للمهارات المحاسبية منذ اللحظات الأولى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي